ذاكرة اليوم كانت قادمة من زمن المقاتلين الذين كانوا يحرسون بوابات العقيدة الآتية من قلب الشام رغما عن المسافات الحربية القاسية التي كان يخيط المقاومون منها نصرا متفردا على أعتاب معارك شرسة كانت تدور رحاها في الغوطة وبعض أحياء دمشق .
كانت بوصلة الوقت تشير إلى ليلة القدر وكان المكان هو ميدان يلتهب بمواجهات ومناوشات في جوبر وأطراف ساحة العباسيين .وددنا يومها أن نفتح بوابة للضوء تنير عتمة تلك الليالي وأن نطل على أرواحنا بمساحة أكثر رحابة فقررنا قيام تلك الليلة العظيمة عند مرقد السيدة رقية عليها السلام بعد أن وقع عليه الخيار بين خيار آخر هو مرقد السيدة زينب عليها السلام ولاثالث بينهما .
تابعنا رسم وجهتنا الروحية بالاستعانة بغروب الشمس وبعضا من أسرار الليل وتوجهنا إلى المرقد المقدس حيث خليط الاصوات والصلوات التي كانت تفتح على الوّجد أبوابا من الرحمة والرجاء بأن يفيض الله على تلك العيون الساهرة بالنصر مرتين حين يشتد بالنفس والميدان شراسة القتال .
كان كل شي يشي بحقيقة أن كل الامور تسير على ما يرام مجاميع متعاقبة تؤدي طقوسها العبادية دون تأخر أو تقصير وكان الصبر واليقين بالنصر علامة فارقة في وجوه كل المارة والزائرين من حولي ..أقتربت عقارب الساعة من منتصف الليلة المباركة وتحديدا عند الساعة الثانية والنصف فجرا وكان الجميع تقريبا قد أسدل ستار الوقت وانهى المراسم والأعمال المخصوصة بتلك الليلة المباركه .
وفي غمّرة الدعاء وبين مسافات التهجد والارتجاز بالصلوات بين شخصين أو أكثر وأنا ..طاف أحد الأشخاص حول بهو المقام الشريف وكانت هيئته توحي بهويته التي لاتتعدى الا
ان يكون من بين نفر الحراس الشخصيين لأحد الشخصيات …بادره في غضون تلك اللحظة شخصا آخر بدأ بأطفاء الإنارة غامراً بالعتمة بعضا من تفاصيل رواق الحرم موارباً لحظة انطفاء روحية الليلة وماتبقى في السماء من أفق أرجواني يكفي لإحياء الطقوس العظيمة ..
كانت لحظات قليلة حتى حانت الإجابة عن كل تساؤلات الاحترازات الوقتية التي ظنتت أنها بداية لإغلاق المكان خشية اي تهديد أمني سيما بعد أن نفض زائريه جل همومهم ودعواتهم ورحلوا ولكن الغاية كانت مصادفة أجمل ..
شخص أوقض عتمة الليل بومضة واحدة من رجل طاعن في الحب والوفاء أعترض سبيل مغادرتنا للمكان من أحدى البوابات الخلفية للصحن أخبرني أحدهم بالتريث قليلا في المغادرة للحظات حتى تبدوا ملامح الحاج قاسم سليماني جلية أمامنا من بين ذلك الظلام ..وبالفعل أقبل علينا. .بلا حمايات بلا خطوات مترددة .موقداً بحضوره وصمته المهيب قنديلا أضاء ليلنا الثقيل انذاك .
وقفت بحضرته أفسح المجال ليتم الصلاة بقلب مؤمن يتقن صلاة العهد والعشق في حضرة الأولياء والمظلومين وبعد أن أوجز مافي قلبه بكلمات بقي يتمتم بها لايعلمها الا الله كانت ممزوجة ببعض الدموع بقرب شباك الضريح المقدس كشف بعدها هوية الحضور الذي كان يقتصر على نفر من حماية المكان وقلة باقين معي ..أقترب مني وددت مصافحته بيدي ولكنه بقي كعادته يفضل أن يهب الاحضان لكل محبيه ويحيل جفاف قلوبهم الى جُنّة خضراء في النفوس ..ضمني بذراعيه ودفئ صدره وقلبه الذي كان كما أعهده حتى يوم وداعه الاخير ..حازما ..صبورا..ومعطاء .
أعاد بي الذاكرة إلى بعض الفيديوهات التي كنت أبثها ضمن مضمار الحرب النفسية على المجموعات الإرهابية وجزء من تفاصيل القتال وتطوراته … لم أتردد في الإجابة عن سؤاله عن أحوالي وتغطياتي الإعلامية وبادرته مازحا :حاج قبل قليل تم نشر صورك انت والحاج ابو مهدي المهندس في كربلاء حيث كنتم هناك !!!
كالمعتاد وهب نظرات الوداع بعضاً من ابتسامته النقية مسح على وجهي وغادر الحرم وشيبه الناصع يوزع على رموشنا عطر معجزة من القى على وجوه محبيه قميص الرؤيا واليقين في تلك الليلة المباركة التي كانت فيها هذه المصادفة الجميلة من فيض وصفها كونها، خير من الف شهر ،تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ
( وللحديث تتمة من الميدان)