عربي

القدس عروس عروبتكم ..

ترامب ينقل السفارة الأميركية إلى تل أبيب. ليس في الأمر ما يفاجىء، فالقرار اتخذه الكونغرس الأميركي قبل حوالى العقدين، كل ما في الأمر أن أميركا ـ وكعادتها ـ دفعت العرب لتقبل الأمر على جرعات. وطريقة الجرعات اتبعها الغرب “ليبلعنا” وجود “اسرائيل” كياناً بيننا. فما بين النكبة عام 48 والنكسة عام 67 ضاعت فلسطين بالتمام، وعندما لم يبق لنا سوى الحق المعنوي كأصحاب شرعيين للأرض السليبة ما يعطينا شرعية “الكفاح المسلح”، تم التفريط في الاثنين معاً في “اوسلو” ، لدرجة انحشرت فيها سلطة رام الله في أضيق زاوية، بحيث أصبحت حارسا للمستوطنات الصهيونية. وهذا يؤكد أن مسلك درب (الحلول السياسية) مع هذا الكيان العنصري، بمعزل عن حركة الميدان وإيقاع الرصاص وأزيز المدافع وتضحيات الرجال هو جهل بقواعد السياسة والتفاوض، بل وأبسط قواعد الاستراتيجيا، ولعل طرد الاحتلال من الجنوب اللبناني، ثم تحرير الاسرى على يد المقاومة هو مثال حي لما كان يردده جمال عبد الناصر “ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة”.

تاريخ من الصمت!!

عند احتلال القدس صيف عام 67 قال موشيه دايان: “..عدنا إلى أكثر أماكننا قدسية، عدنا ولن نبرحها أبدًا”، وبطريقة الخطوة خطوة جاء تهويد القدس؛ بدأ الأمر بتغير معالمها بإزالة “حارة المغاربة” عقب احتلالها مباشرة عام 67 وكان يتضمن 136 وحدة سكنية ومسجدين أحدهما مسجد البراق!.. ثم تعاقبت الجرعات وهذه نبذه موجزة:

عام 1968: مصادرة أراض فلسطينية في القدس بداعي أنها “أملاك دولة” رغم وجود أصحابها ومالكيها الحقيقين وبلغ مجموع المصادر 3345 دونم..

عام 1969: اقتحم الإرهابي اليهودي الأسترالي “دينيس مايكل” المسجد الأقصى ـ وبدعم من العصابات اليهودية المغتصبة ـ فقام بإحراقه في جريمة تعتبر من أكثر الجرائم إيلامًا بحق الأمة وبحق مقدساتها. وتَمكَّن مايكل من الوصول إلى المحراب، وإضرام النار فيه؛ في محاولة لتدمير المسجد، وقد أتت النيران على مساحة واسعة منه. جاء الرد العربي بصورة هيجان كالعادة، امتصّ الغضب الذي لم يلبث حتى انهمد، ما أعطى فكرة عن بؤس العالمين العربي والأسلامي، ومنه تجرأت “اسرائيل” على المزيد!!.

عام 1970: افتتحت “إسرائيل” كنيسًا يهوديًّا جديدًا تحت المسجد الأقصى يتكون من طبقتين: الأولى مصلى للنساء، والأخرى مصلى للرجال تُقام فيه الصلاة، وأوضحت أنه موازٍ لقبة الصخرة المُشرَّفة، وهو على مسافة 97 مترًا من مركز القبة. وقابل العرب ذلك بالسكوت !

عام 1976: قررت القاضية في المحكمة المركزية “الإسرائيلية” “دوث أود”: “أن لليهود الحق في الصلاة داخل الحرم”، وهو نفس ما قرره وزير الشؤون الدينية “إسحاق رافائيل”. ومرة أخرى كان الصمت العربي في المقابل!!.

عام 1978: الرئيس المصري أنور السادات يهدي “اسرائيل” (اتفاقية كامب ديفيد)، التي شكلت انسحاباً استراتيجياً لمصر من ساحة الصراع  ليبدأ بعدها حقبة من التجرؤ الصهيوني المطمئن والواثق من الهوان العربي، ولتكر السبحة بعدها!.

عام 1979: استولت القوات “الإسرائيلية” على الزاوية الفخرية التي تقع في الجهة الجنوبية الغربية من ساحة المسجد الأقصى المبارك، فضلاً عن إطلاقها وابلاً كثيفًا من الرصاص على المصلين المسلمين؛ ما أدى إلى إصابة العشرات منهم بجروح.

عام 1980: في هذا العام أعلنت “إسرائيل” ضَمّ القدس المحتلة إليها، معلنةً عن أنها  بشطريها باتت عاصمة موحدة لها. وقبل أيام قليلة شهدت المدينة تصعيدًا جديدًا بإغلاق المسجد الأقصى في وجه المسلمين في وقت سُمح فيه لليهود بالدخول إلى ساحات الأقصى في عيد “الشافوعوت”، وهو عيد “نزول التوراة” عند اليهود.
ومرة أخرى جاء الرد العربي هيجاناً لم يلبث أن همد، وليعتادوا من بعده على الأمر !!.

من عام 1981 وحتى عام 1988: سلسلة من الإعتداءات الصهيونية تولتها منظمات صهيونية إرهابية؛ وفيما الداخل الفلسطيني ينتفض عام 1987 كان العالم العربي يراقب ببلادة المشاهد التلفزيونية لأطفال الحجارة يُقتلون أو يُعتقلون وكأنها من المسلسلات اليومية، ورغم هذا كانت انتفاضة بلا قيادة مركزية فخمدت عام 1991.

عام 1989: سمحت الشرطة “الإسرائيلية” بإقامة صلوات للمتدينين اليهود على أبواب الحرم القدسي الشريف، وذلك للمرة الأولى رسميًّا؛ بالإضافة إلى وضع جماعة “أمناء الهيكل” اليهودية حجر الأساس لبناء “الهيكل” الثالث، قُرب أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك.

عام 1990:  محاولة حركة ما يسمى “أمناء جبل الهيكل” اقتحام المسجد الأقصى؛ لوضع حجر أساس “للهيكل” المزعوم، وارتكاب مذبحة الأقصى الأولى على يد قوات الاحتلال ضد المسلمين المُحتجّين على ذلك؛ ما أدى إلى استشهاد 34 مسلماً وجرح 115 آخرين.

عام 1993: منظمة التحرير في اوسلو تنخرط بمباحثات سرية مع الجانب الإسرائيلي دون ورقة ضغط بيدها بعد توقف الإنتفاضة في الداخل، في هذا الإتفاق اعترفت منظمة التحرير “بإسرائيل” ! وبذلك جرى التنازل عن 78% من فلسطين، ثم عن الحق في “الكفاح المسلح” لتشطب من ميثاق منظمة التحرير!. ما سمح للكيان الغاصب بتوسيع مستوطناته بحرية ودون رادع ليقضم ما تبقى من الـ 22% من ارض فلسطين، وبدأت بذلك مرحلة أخرى من تهويد القدس؛ وهي عبارة عن رسم حدود جديدة لمدينة “القدس الكبرى”، حيث ضُمَّ إليها أراض من الضفة تعادل 10% من مساحتها، باعتبار أن القدس غير مشمولة بالإتفاق !!!، وعلى هذه المساحة أقامت “اسرائيل” المزيد من المستوطنات مطوقة بها القدس العربية!. ومع “اوسلو” تتسارع حبات السبحة في التساقط المريع: توقيع اتفاقية “السلام” بين “إسرائيل” والأردن عام 1994، “اوسلو 2″ عام 1995 وفي هذه الأخيرة يتجلى التهالك العربي حتى يلامس الهلوسة، حيث أصبحت المنطقة(ج) من الضفة ” تخضع أمنيا وإداريا بالكامل للسيطرة “الإسرائيلية” فقط”. هذه المنطقة تشكل 61% من ارض الضفة!. ـ ترى ماذا بقي بعد ذلك ؟؟؟!!!!!ـ.

عام 1994-1999: سلسلة من الإعتداءات على الأماكن المقدسة وفي مقدمتها الأقصى شملت حفريات أدت إلى زعزعة الحائط الجنوبي للمسجد، ومطالبات بتقسيم الحرم الشريف. بناء مستعمرة يهودية  في قلب الحي العربي، وهذا ترجمة طبيعية لغياب إشارة للقدس في اتفاقيات الأنظمة مع “اسرائيل”.

عام 2000: الانتفاضة الثانية إثر زيارة شارون للأقصى، لكن السبب الأساس شعور الفلسطينين بالإحباط جراء عدم تطبيق “اسرائيل” للحل النهائي بحسب اتفاق “اوسلو”، وفيها واجه الشعب في الداخل باللحم الحي آلة القتل “الإسرائيلية”، فيما العالم العربي كما في السابق يراقب المشهد في التلفاز!!!. لينتهي الأمر بلقاء عباس شارون في شرم الشيخ !! . لعل ما سبق يبين خط سير التراجعات المتصل حتى وقتنا الحاضر، وفيه يرى المدقق أن كل محطة من التفريط كانت مفصلاً لانحدار أشد، بحيث ما كان مرفوضا يوماً صار  في اليوم التالي مقبولاً؛ إنه الترويض خطوة خطوة، جرعةٌ جرعة!!.

عروس عروبتنا!

إنها القدس العربية الزاخرة بعبق التاريخ، إنها اورشليم المسيحية الكنعانية ـ الأرامية حيث كنيسة القيامة، وإنها بيت المقدس الإسلامية،” أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين”. إنها القدس عروسة عروبتنا لم تجد سوى ايران تلتقطها من قارعة الطريق بعد أن رماها العرب عقوداً!. وعندها خجلوا حاولوا استنقاذ ماء وجههم بمبادرتين (للسلام)؛ واحدةٌ من الملك فهد، والثانية من الملك عبد الله! .. وبالرغم على ما ينطويان عليه من تنزلات، قابلتهما “اسرائيل” بالرفض!!..

قلنا أن ما سبق يبين خط التراجعات، لكنه ضمناً يظهر الخط البياني للإنحدار القيمي، وللبؤس السياسي للقيمين على القرار العربي، وهو يقدم الدليل على ان الأنظمة العربية ذهبت مختارة لبيع (القضية الفلسطينية)، وفي هذا وذاك إجابة على الأسئلة: لماذا هذا العداء لإيران الاسلامية والحنين لإيران الشاهنشاهية !!. لماذا يزعجهم سلاح المقاومة في لبنان!، ولماذا هذا التآمر على سوريا وهي تكاد تكون أخر العرب!! .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى