الافتتاحية

الجزء 2 “الوالد الأستاذ” الفصل 2 بعنوان “في حضرة الأساتذة”

من مذكرات الإمام الخامنئي باللغة العربية “إن مع الصبر نصرا”

عوّدنا الوالد أن لا نضيّع أي فرصة، ولا يفوتنا أي يوم دون استثماره في الدرس والمباحثة، كان يستغل فرصة تعطيل الدراسة في الحوزة أيام شهر محرم، وخلال أشهر الصيف، فيدرسني خلال الأيام السبعة الأولى من شهر محرم، وفي الثلاثة التالية ينصرف إلى مجالس العزاء الحسيني، كان يرفض وجود شيء اسمه “عطلة صيفية”، ويقول: نحن كنا نواصل دروسنا خلال أشهر الصيف في مدينة النجف الأشرف على الرغم من قسوة جوها وشدة حرارتها، فكيف تعطّل الدراسة في مشهد؟ّ!
وكتاب المطوّل درسته في أشهر العطلة الصيفية، وكان الشيخ الفشاركي يأتي من قم إلى مشهد في الصيف، ويقضي فيها شهرين، كنت قد عرفته من بعيد، لأنه سبق أن درّس علوم اللغة العربية في مشهد قبل أن ينتقل إلى قم، ثم درس هذه العلوم في قم، و طلبت منه أن يدرسني المطوّل في مشهد، فاستجاب.
وكنت أواصل معه الدراسات ساعات طويلة في اليوم، فأنهيت المطول ببيانه وبعض معانيه وبديعه في صيفين، أي خلال أريعة أشهر.
ثم عرف الشيخ الفشاركي بعد ذلك أني أدرس “المكاسب” أيضاً، فاستغرب لتقدمي السريع في الفقه، وكان هو أيضاً يدرُسُ هذا الكتاب في قم.
كان الوالد يشرفُ على هذه المواصلة المستمرة، ويدفعنا نحوها بالتشجيع تارة، وبالشدة تارة أخرى، وكنت منصاعاً لمنهج الوالد ومنفذاً لرغبته، وكان ينشرح كثيراً حين أُبدي له رأيي الخاص فيما أدرس، وكان يقول لي وأنا بين الرابعة عشرة والخامسة عشرة: أنت مجتهد وقادر على الاستنباط.
كنت أتباحث مع أخي، وبعد المباحثة يدعونا الوالد إلى غرفته، فيسأل ويوضح ما انغلق علينا فهمه.
أذكر أن البيت كان من ثلاث غرف، لوالدي غرفتان، وغرفة كبيرة نسبياً لضيوفه، وغرفتة لمطالعته وطعامه ( كالحجرة لطالب العلم)، وغرفة واحدة لنا جميعاً: 4 إخوان و 4 أخوات والوالدة!
وإذا صدف أن كان للوالدة ضيوف أو مجلس ذكر، كنا نضطر إلى البقاء خارج البيت.
كان في غرفة الوالد الخاصة منضدة يبلغ طولها 80 سنتيمتراً وعرضها 40 ( وهي تستعمل للتدفئة أيضاً في الشتاء بوضع مجمر تحتها، وتسمى: “الكرسي”).
كان الوالد يتربع عند عرض المنضدة، ونحن نجلس في جانب الطول، على جهة واحدة، وكنت أنا وأخي نتنافس على المكان البعيد عن الوالد، لهيبته وجدّه أثناء مذاكرته لنا.
لا شك في أن لحدّة الوالد وشدته سلبيات، لكني لا أنكر ايجابياتها، فهذه الشدة جعلتنا منضبطين، وأبعدتنا عما وقع فيه بعض أبناء العلماء من انحرافات بسبب تسيّبهم، وكان من آثار ذلك أيضاً أني أنهيت علوم اللغة العربية وسطوح الفقه وأصوله خلال خمس سنوات ونصف السنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى